أخبار

أبعاد استقالة الرئيس المؤسس، كازاخستان بعد نزارباييف؟

د. عبد الرحيم عبد الواحد – رئيس تحرير مجلة “أسواق”

يأتي إعلان الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف قبل قليل وعبر التلفاز الرسمي، وباختصار شديد قائلا: “لقد اتخذت قرار رفض الولاية الرئاسية”، استقالته، ليشكل خبرا عاجلا في شتى وسائل الإعلام المحلية والاقليمية والعالمية، ومفاجاة للكثيرين من رجال السياسة في داخل وخارج كازاخستان بل ولرجال الصحافة والإعلام، وذلك بعد ان تولى ادارة بلاده لمدة  3 عقود وبعمر يتجاوز الـ 78 عاما.

بالرغم من الدهشة والحيرة التي اصابت الكثيرين بعد سماع نبأ استقالة نزارباييف، إلا إنه الأمر في حقيقته كان رهنا للتكنات والاقاويل منذ فترات ليست بالقليلة تجازوت السنوات، وخاصة بعد تقدم بطلب رسمي للمحكمة الدستورية الكازاخية مستفسرا عما يتلعق باستقالة الرئيس وشروطها وظروفها وقانونيتها، والأمر الآخر هو التعديل الحكومي الذي تم قبل عشرة ايام تقريبا…ما يعطي مؤشرا على اقتراب تغيير ما في قيادة الدولة، ولكن بالتأكيد دون الوصول إلى الجزم والوصول إلى حد الاستقالة السريعة ان جاز التعبير تسميتها.

والسؤال يتجدد بشدة بعد نبأ استقالة نزارباييف وهو “القائد البديل القادم لحكم كازاخستان”، رغم إنه يجول منذ سنوات عديدة في أروقة السياسة وأذهان عموم القاعدة الجماهيرية الكازاخية الشعبية.

وليس بخافيا القول بأن الرئيس المستقبل نور سلطان نزارباييف كان يعلم بذلك وحريص على توفير المناخات الحياتية للشعب الكازخي في محاولة لاسقاط تلك الأفكار من عقول الكازاخ سواء كانوا رجال دولة أو حتى من عامة افراد الشعب.

لكن يبدو ان نزارباييف لم يكن راغبا ليس فقط في اجراء تعديلات جذرية كما حدث اليوم وتعيين بديل محتمل لتولى ادارة الدولة، ولكن حتى التأكد من وجود آلية للخلافة، وبدون نقل السلطة بشكل منظم ودستوري.

الحقيقة التي لا يمكن اغفالها تؤكد بأن ذاكرة التاريخ الكازاخي ستظل تذكر انجازات نزارباييف، وبالتالي وضعه في مصاف الأسماء والشخصيات الكازاخية التاريخية العظيمة التي اسهمت ليس في نهضة كازاخستان كدولة بل الارتقاء بالكازاخ انفسهم وتاريخهم وتراثهم عبر العقود الماضية.

ويرى انصار نزارباييف بإنه حافظ على السلام والاستقرار بين الأعراق خلال فترة الإصلاح في التسعينيات، ويعزى إليه الفضل في النمو الاقتصادي المذهل للبلاد في العقد الأول من الألفية الجديدة.

وتأتي استقالته إثر تزايد النقمة الاجتماعية والاستياء بسبب وضع الوضع الاقصتادي والاجتماعي في بلاده الذي لا يزال يتعافى من تداعيات تدهور أسعار النفط عام 2014، وبعد أسابيع على قيام نزارباييف بإقالة الحكومة.

يذكر بأن نزارباييف المولود عام 1940 هو الرئيس الوحيد المستقل الذي عرفته كازاخستان، فيما يعتبره الكثيرون بأنه قائد الأمة والرئيس المؤسس لدولتهم، حي يتمتع بشعبية كبيرة، على الرغم من اعلانات المعارضة بعدم وجود انتخابات حرة ونزيهة على مر السنوات التي حكم فيها نزارباييف،  وبعد الاستقلال، وأعيد انتخابه ضد خصوم رمزيين إلى حد كبير في الأعوام 1999 و 2005 و 2011 و في عام 2015.

ونرى بأنه اذا كان نزارباييف قد ترك السلطة والحكم رسميا، إلا انه لا يمكن على الاطلاق واستنادا الى اطلاعنا على واقع الحياة السياسية والتاريخية والرسمية في كازاخستان.

نرى بأن الرئيس المستقيل سيبقى الحقلة الأقوى في تحديد مسارات وسياسيات الكثير من القضايا الاستراتيحية في كازاخستان داخليا وخارجيا وعلى كافة الصعد، بل وسيكون له الدور البارز في  صناعة القرار السياسي في كازاختسان، وذلك لاسباب عديدة وكثيرة أبرزها٬ أنه الرئيس المؤسس وقائد الأمة كما يراه ويصفه أبناء شعبه.

ويؤكد ذلك بأنه لا يزال نزارباييف يتمتع بشعبية حقيقية، وخاصة بعد الانجازات التي حققها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وتنمويا، وقد بدأت هذه الشعبية تتزايد بعد نجاحه في القضاء على عناصر التمرد والتخريب في بلاده في العام ٢٠١١ في غرب كازاخستان والتي كانت تعاني آنذلك من الفقر والاهمال.

ولطالما سعت كازاخستان إلى وضع نفسها أرض الديمقراطية في قلب أوراسيا، لكن في أحد الجوانب الحاسمة لا يختلف الأمر عن العديد من الدول السوفيتية السابقة: كانت المرحلة الأولى من تفكيك سلطة الدولة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إعادة تركيز الثروة في أيدي مجموعة صغيرة جدًا من الأشخاص المتصلين جيدًا والذين يرون سبب وجيه لمشاركتها، حيث ينظر معظمهم إلى أي إصلاح على أنه تحدٍ لرفاهيتهم، وهو ما تغلب عليه نزارباييف عبر السنوات الأخيرة.

يذكرني خبر الاستقالة اليوم بما قاله نزارباييف منذ فترة ليست بالطويلة ردا على سؤال لأحد الدبلوماسيين: “لماذا لم يتم عمل تمثال لك حتى الآن؟”، فأجاب قائلًا:”إنني أفضل أن يقول الناس: لماذا لم يتم عمل تمثال لهذا الرجل، بدلاً من أن يقولوا: لمن هذا التمثال؟.

وتقدم تجربة نزارباييف على مدى سنوات حكمه الطويلة نظرية سياسية وفلسفية مستقبلية، بل ودروساً مستفادة لكل الدول النامية، في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية والتعليم والتقدم التكنولوجي والصحة، مما شكل نظرية جديدة لكل صُنّاع القرار في مرحلة بناء الدولة العصرية، وإرساء قواعد انطلاقها نحو النهضة والتقدم، مما دفعنا فعلا لتأسيس أكاديمي لهذه الانجازات عبر مؤلفنا الذي صدر خلال معرض القاهرة للكتاب يناير الماضي بعنوان : النظرية النزارباييفية”…

وعبر سطور هذا الكتاب، تطرقنا بالبحث حول النظرية”النزارباييفية” بكافة تفصيلاتها وأبعادها وتأثيراتها وقواعدها وإنجازاتها على أرض الواقع، وذلك بتقديم واستعراض الفكر السياسي وأهم المساهمات الفكرية للرئيس الكازاخي، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ومن ثمَّ استحداث نظرية جديدة خرجت من رحم الحقبة الشيوعية قبل ٢٧ عاماً. إنها”النظرية النزارباييفية” لمؤسسها الرئيس الكازاخي الحالي نور سلطان نزارباييف.

لهذه”النظرية النزارباييفية” يعود الفضل في تعميق علاقة كازاخستان بالنهضة والتاريخ والحضارة، حيث استخدم الرئيس الكازاخي الفلسفة والفكر والنهضة والتنوير والحداثة والتطور والثورة العلمية والصناعية والتكنولوجية، وأرسى دولة ذات مؤسسات وثقافة راسخة رصينة ومتينة، بل وجعل منها نموذجاً عالميًّا اجتماعيًّا وثقافيًّا وعلميًّا وخدميًّا وصحيًّا واقتصاديًّا.

فقد استطاعت كازاخستان، تحقيق ما يمكن تسميته بـ ”المعجزة التنموية الكازاخية”، والتحول من دولة نامية إلى مصاف الدول المتقدمة بحلول العام ٢٠٥٠، فيما لا يزال رئيسها يحلم ويحلم، وتكبر بلاده كلما حقق واحداً من أحلامه، فتزداد طموحاته في تحقيق حلم جديد، ليصبح واقعاً يُشار إليه بالبنان، خاصة وأنه جمع بين الأصالة والحداثة بإسلوب فريد وحرفية متناهية الدقة، حتى أصبحت كازاخستان إحدى أسرع  دول العالم نموًّا في القرن العشرين، وأيقونة للتطور والتقدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WhatsApp chat