اقتصاد

بعد سنوات من الركود والأزمات… ماليزيا تبدأ عهدًا جديدًا نحو استعادة ثقة المستثمرين

كوالالمبور – “أسواق”

بعد أشهر قليلة من التغيير الكبير الذي شهدته ماليزيا في الانتخابات البرلمانية الرابعة عشرة، وبعد سنوات من الركود والأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار التي شهدتها البلاد في عهد الحكومة السابقة، تبدأ الحكومة الماليزية الجديدة مهمتها في استعادة ثقة المستثمرين الأجانب للعودة نحو الاستثمار في واحدة من أكبر وأهم أسواق منطقة جنوب شرق آسيا.

المهمة الجديدة لا تبدو سهلة بأي شكل من الأشكال خصوصًا مع ضرورة تصحيح العديد من الأخطاء التي ارتُكبت في العهد السابق، حيث بدأت الحكومة الجديدة بقيادة مهاتير محمد باتخاذ إجراءات فورية لوقف المشاريع الكبرى التي تبين أنها خاسرة اقتصاديًا وعلى رأسها مشروع الطريق السريع بين ماليزيا وسنغافورة، فيما اضطرت لاستكمال مشروع بورصة رزاق وبرج “Exchange 106” في وسط العاصمة كوالالمبور.

عملية إعادة تقدير الديون المتراكمة على ماليزيا والتي أظهرت حجمًا كبيرًا للدين وصل إلى 1 ترليون رنجت، وضعت ضغطًا كبيرًا على الحكومة الماليزية وبنفس الوقت أدت إلى مخاوف وحذر كبيرين لدى المستثمرين خصوصًا مع فقدان الثقة في الحكومة السابقة من جهة المواطنين الماليزيين قبل المستثمرين.

مهاتير والاتفاقات الثنائية

بالنسبة للاقتصادات التجارية مثل الاقتصاد الماليزي فإن سهولة وحجم الوصول إلى الاقتصادات المجاورة والدولية على حد سواء ومتانة العلاقة التجارية هي عامل أساسي في تقوية الاقتصاد وجعل البيئة الاستثمارية آمنة ومبشرة للمستثمرين الأجانب، وهذه النقطة هي الأساس الذي يعمل عليه رئيس الوزراء مهاتير محمد خصوصًا مع الخبرة الاقتصادية الهائلة التي يتمتع بها.

وزير التجارة الدولية والاقتصاد “داريل ليكينج” قال أن توجه مهاتير بدأ يأتي ثماره بالفعل مع توجه رئيس الوزراء في زيارات خاصة إلى كل من اليابان والصين وإندونيسيا إضافة  للقائه برئيس الوزراء الهندي ووزير الخارجية الأمريكي في العاصمة الإدارية بوتراجايا.

الاتفاقات والعلاقات التجارية الثنائية هي الهدف الرئيسي لرئيس الوزاء الماليزي خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالصين والولايات المتحدة الأمريكية حيث تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لماليزيا إذ وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي 2017 إلى 20.9 مليار رنجت بارتفاع بلغ 20.6% عن العام الذي سبقه، كذلك تملك ماليزيا علاقة تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة بتبادل تجاري بلغ 158 مليار رنجت في عام 2017 بارتفاع نسبته 16.3% عن عام 2016.

التبادل التجاري الضخم إضافة للحرب الاقتصادية الكبيرة الجارية اليوم بين الولايات المتحدة والصين تقدم لماليزيا فرصة ممتازة لرفع أسهم اقتصادها من خلال علاقة تجارية ثنائية مع كل من البلدين حيث يمكن أن تمثل هذه العلاقة أرضية ممتازة للبيئة الاستثمارية الجديدة الجاري تكوينها في ماليزيا الجديدة.

وزير التجارة الماليزي أكد أنه من المبكر الحديث عن اتفاقيات للتجارة الحرة مع العملاقين الصيني والأمريكي، حيث قال أن أسلوب العلاقات الثنائية هو الأسلوب المفضل لرئيس الوزراء مهاتير محمد وأن اتفاقيات التجارة الحرة هي مرحلة متقدمة وليس من المناسب الخوض فيها في الوقت الحالي.

إضافة لكل ذلك فإن الحكومة الماليزية بدأت عملية موسعة لعقد لقاءات مع السفراء الأجانب ورواد الأعمال من مختلف دول العالم لإطلاعهم على جميع المشاريع والمستجدات في الاقتصاد الماليزي ومن خلال هذه الاجتماعات تقوم الحكومة بجذب الاستثمارات الأجنبية سواء على الصعيد الرسمي أو على مستوى الشركات في مختلف القطاعات.

قضايا الفساد الكبيرة التي شهدها عهد الحكومة السابقة مثل قضية شركة “1 Malaysia Development Berhad” أثرت بشكل كبير على رغبة المستثمرين الأجانب في القدوم إلى ماليزيا، لكن مع العمل الكبير للحكومة الجديدة بقيادة مهاتير محمد فإن الأمور تبدو متجهة نحو الأفضل خصوصًا على صعيد الاستثمارات من دول منطقة جنوب شرق آسيا والصين وأمريكا.

إعادة إحياء حزام شرق “أسيان”

في عام 1994 تم تأسيس منطقة النمو الاقتصادي في شرق اتحاد “أسيان” في بروناي وإندونيسيا وماليزيا والفيلبين والتي تعرف اختصارًا باسم “BIMP-EAGA” حيث يهدف هذا التجمع الاقتصادي إلى تسريع وزيادة النمو الاقتصادي في هذه الدول التي تغطي منطقة ضخمة تصل مساحتها 1.6 مليون كم مربع وبتعداد سكاني يتراوح ما بين 70 – 80 مليون نسمة، مما يجعل منها سوقًا كبيرًا لا يمكن الاستهانة به.

وزير التجارة الدولية والاقتصاد الماليزي “داريل ليكينج” أكد أن أحد أهم المشاريع لتنشيط الاستثمارات الأجنبية في ماليزيا ونيل ثقة المستثمرين يمكن أن يتم من خلال إعادة إحياء هذا الحزام الاقتصادي الكبير، حيث يقدم فرصًا ضخمة لإنشاء وتطوير الكثير من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية بين تلك الدول خصوصًا مع الواقع الاقتصادي الحالي في العالم والذي يقوم على التكتلات الاقتصادية الكبرى، وأحد أبرز أمثلته توجه الصين أحد أضخم اقتصادات العالم نحو مشروع “الحزام الواحد والطريق الواحد” ومشروع “طريق الحرير الجديد” لخلق تكتل اقتصادي عالمي يخدم مصالح مختلف أعضاءه.

رغم تأسيس “BIMP-EAGA” منذ 24 عامًا إلا أن التكتل الاقتصادي لم ينل الاهتمام الكافي من الدول الأعضاء ومن ماليزيا تحديدًا لارتباطه بعوامل جانبية معقدة مثل قضايا الهجرة والأمن القومي وغيرها، إلا أن الوضع الحالي هو الفرصة الأمثل لماليزيا وتلك الدول لخلق فرص استثمارية ومشاريع اقتصادية كبرى تساعد على جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية نحوها في سبيل تعزيز ثقة المستثمرين في واحد من أكبر الأنظمة الاقتصادية في جنوب شرق آسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WhatsApp chat