اقتصاد

بين اثنين من أكبر شركائها التجاريين… كيف ستستفيد ماليزيا من الحرب الاقتصادية بين الصين وأمريكا؟

كوالالمبور – “أسواق”

عام 2018 الماضي لم يكن عاماً سهلاً لماليزيا من الناحية الاقتصادية، فبعد التغيير الحكومي في البلاد واكتشاف وصول حجم الديون المترتب على ماليزيا إلى ترليون رنجت، كان على الحكومة الجديدة وضع ميزانية قادرة على الحفاظ على معدلات النمو المستقرة في البلاد وإيجاد طرق مبتكرة لتغطية الديون الضخمة، لكن كل ذلك تزامن مع اشتعال الحرب الاقتصادية بين اثنين من أكبر شركائها التجاريين على الإطلاق، الصين وأمريكا.

فبعد فرض الولايات المتحدة الأمريكية ضرائب كبيرة على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار، كان رد الصين كذلك بفرض ضرائب على الكثير من الصادرات الأمريكية إليها والزراعية خصوصاً، ورغم أن البلدين اتفقا على هدنة اقتصادية في الوقت الحالي، إلا أن هذه الإجراءات سيكون لها تأثيرات مختلفة إيجابية وسلبية على العديد من الاقتصادات العالمية، وماليزيا هي واحدة من هذه الاقتصادات.

التأثير المباشر للحرب الاقتصادية على ماليزيا ينبع من كون الصين وأمريكا في قائمة الدول التي تملك ماليزيا علاقة تجارية كبيرة معها، فبحسب إحصاءات عام 2017 احتلت الصين المركز الثاني لأكبر شريك تجاري لماليزيا بحجم تبادل تجاري يبلغ 129.15 مليار رنجت، فيما تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثالثة بحجم تبادل تجاري يبلغ 85.6 مليار رنجت، ولذلك كان لا بد أن تجد ماليزيا نفسها ضمن دوامة التأثيرات المختلفة التي ستسببها هذه الحرب الاقتصادية، ولحسن حظ الكثير من الماليزيين، فإن العديد من العوامل تتنبأ بفائدة قد تعود على الاقتصاد الماليزي من هذه الحرب الاقتصادية!

فوائد الحرب

الاقتصاد الماليزي الذي يعتبر اقتصاداً تصديرياً وتجارياً بشكل أساسي يملك ميزة كبيرة من خلال التنوع الكبير في عدة قطاعات اقتصادية مختلفة، وهو ما يجعله محط الأنظار للكثير من الشركات التي ترغب بتوسيع أعمالها أو نقلها بعد المشاكل التي واجهتها من الحرب الاقتصادية بين الصين وأمريكا.

وكانت غرفة التجارة الأمريكية أجرت دراسة استقصائية في جنوب الصين على 219 شركة تمتلك 60% منها نشاطات تجارية في الصين وأمريكا، حيث أظهرت الدراسة أن منطقة جنوب شرق آسيا هي الخيار الأول لمعظم الشركات التي تخطط لإعادة توطين مقرات عملها بعد فرض ضرائب ضخمة من أمريكا على الصين وارتفاع تكاليف إنتاج السلع في الصين بسبب الضرائب الإضافية، كما أظهرت دراسة أخرى لمؤسسة “UOB” للدراسات الاقتصادية أن دول منطقة “أسيان” وعلى رأسها ماليزيا ستحصل على أكبر حصة من الاستثمار للصين في العامين القادمين خصوصاً في قطاع الصناعات التحويلية.

كذلك ستكون ماليزيا وبجانبها فيتنام من أكبر المستفيدين من قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حيث أن وجود العديد من شركات الإلكترونيات الكبرى فيها سيسمح بنقل أسهل للإنتاج والاستثمار إليها، كما ستحصل ماليزيا برفقة تايلاند على أكبر الاستثمارات في مجال قطاع السيارات بفضل شبكات التصدير القائمة في البلدين.

لكن نقطة القوة الأهم لماليزيا مقارنة بجيرانها هي الموقع، ومجموعة المهارات المتوافرة في البلاد، إضافة للموارد الطبيعية التي تسمح بتنويع النشاط الاقتصادي، حيث قالت مؤسسة “UOB” في تقريرها “ماليزيا يمكن أن تكون أكثر جاذبية من ناحية الموقع، كما أن البنية التحتية الموجودة توفر أساساً قوياً، وأصدرنا الأسبوع الماضي دراسة مسحية للشركات وضعت ماليزيا في المركز الخامس عشر عالمياً من حيث تكلفة الامتثال للأعمال التجارية”.

وقال أحد الخبراء الاقتصاديين المحليين في ماليزيا لموقع “The Edge Markets” إنه رغم أن ماليزيا لا تمتلك البنية التحتية التي تمتلكها جارتها سنغافورة، إلا أن هناك مجالاً محدوداً لمزيد من الاستثمار في سنغافورة على عكس ماليزيا، كما ان البنية التحتية في ماليزيا تجعلها الخيار الأفضل للاستثمار على المستوى الإقليمي.

بدورها قالت “جوليا جوه” كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة “UOB” إن هناك عيوباً في الاقتصاد الماليزي مقارنة بأقرانه في المنطقة، حيث أن ماليزيا تملك ميزات متعددة لكن ذلك يعتمد على نوع الاستثمار، حيث أنها لا تستطيع المنافسة على استثمارات ذات قيمة مضافة منخفضة وعمالة كثيفة، فمتوسط الأجور الشهرية في ماليزيا أعلى من معظم الاقتصادات الأخرى في منطقة جنوب شرق آسيا، لكن مع ذلك فإن ماليزيا تملك ميزة كبيرة من حيث تكاليف العمالة والتركيبة السكانية المناسبة والموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي والبنية التحتية الجيدة، خصوصاً عند مقارنتها باقتصادات شمال آسيا الأكثر تطوراً مثل كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ.

قطاع الزراعة بدوره قد يحمل فائدة كبيرة لماليزيا في ظل الحرب الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم، حيث أن الصين هي أكبر سوق تصدير زراعي للولايات المتحدة بصادرات سنوية تقارب 20 مليار دولار (83.35 مليار رنجت) والمنتج الأكثر تصديراً هو فول الصويا، حيث تعتبر الصين أكبر مستورد لفول الصويا في العالم بنسبة 60% من الإنتاج العالمي، لكن مع فرضها للضرائب الكبيرة على الصادرات الأمريكية الزراعية فإنها ستبدأ بالبحث عن البدائل المناسبة.

إذاً أين فائدة ماليزيا في هذا المجال؟ الجواب يكمن في أن زيت النخيل الذي تعتبر ماليزيا من أشهر مصدريه هو بديل مثالي لفول الصويا الذي تستعمله الصين بشكل أساسي لإطعام الحيوانات واستخراج الزيت، وهذا يشكل فرصة كبيرة جداً لمصدري زيت النخيل في ماليزيا لزيادة حجم صادراتهم والاستفادة من ارتفاع الطلب في السوق الصيني على زيت النخيل الماليزي، وإثبات قدرة ماليزيا على المنافسة بقوة في هذا المجال.

تحدي التعليم

مدى الاستفادة من الحرب الاقتصادية في ماليزيا مرتبط بشكل أو بآخر بتحدي كبير أمام الحكومة الماليزية وهو تحسين جودة التعليم في البلاد، والحكومة الجديدة قدمت بوادر أولية جيدة بتخصيص 60.2 مليار رنجت أو 19.1% من الإنفاق الحكومي في ميزانية 2019 لقطاع التعليم.

هذا الأمر سيكون له دور كبير في تغيير نظرة اقتصادية لا زالت موجودة لحد معين حول ماليزيا، حيث لا زال ينظر إليها كبلد قائم على السلع الأساسية واقتصاد منخفض التكلفة، لكن رفع جودة التعليم سيسمح بالنظر لماليزيا على أنها بلد يتمتع بمواهب محلية وفيرة تناسب احتياجاته.

تغيير النظرة الاقتصادية لماليزيا سيكون له دور كبير في اجتذاب المزيد من الاستثمارات والشركات الراغبة في نقل أعمالها جراء الحرب الاقتصادية وضرائبها المرتفعة، حيث ستعتمد كل تلك الشركات الجديدة على الكفاءات المحلية في ماليزيا باعتبارها تمتلك المهارة والمعرفة المناسبة لذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WhatsApp chat