غير مصنف

قراءة في الخطاب الأول للرئيس الكازاخي… مصارحة ومكاشفة ووعود… تكشفها قادم الأيام

كتب د. عبد الرحيم عبد الواحد

هناك أكثر من مسّوغ لديَّ لكتابة هذه السطور، ويبقى في طليعتها إلقاء الضوء على مفردات خطاب الرئيس الكازاخي المنتخب حديثا قاسم جومارت توكاييف، وذلك بحكم اطلاعي المتواضع على تطورات وظروف هذه الدولة طوال السبع سنوات الماضية.

وسوف احاول في هذه القراءة السريعة، المشاركة مع أخواني وزملائي واصدقائي المهتمين بالشأن الكازاخي. كما ان السطور التالية تمثل رؤية مهنية صادقة من شخص مارس مهنته طوال ٣٧ عاما، مشددا على الموضوعية، ساعيا إلى الاستفادة الجماعية من تجارب الآخرين.

يفتح تنصيب توكاييف، صفحة جديدة في تاريخ كازاخستان، فمن الطبيعي وهو الشخصية الأكثر قربا من نزارباييف أن يستهل حقبته بما لا يخالف خط سير الرئيس الأول، لذلك تُطرح العديد من التساؤلات، أبرزها: ما هو الجديد في خطاب الرئيس منذ يومين بعد أدائه اليمين الدستورية؟ وما هي أبعاد سياسته الداخلية والخارجية سياسيا وتنمويا واجتماعيا ونهضويا؟ والسؤال الأهم.. هل سيحافظ توكاييف على سياسة نزارباييف؟ وهل جاء خطاب الرئيس على قدر المكانة التي تحتلها كازاخستان طوال ٣٠ عاما؟

نرى من جانبنا إن حديث توكاييف تضمن صورة من صور المصارحة والمكاشفة، بهدف الاستمرار في نهج كازاخستان والتمكين لنجاح مستقبلي لادارته الجديدة.

وباستقراء كلمات توكاييف، نرى بإنه لربما هناك خطوات عملية مهمة على أرض الواقع ستحدث خلال الفترة المقبلة، حيث نلحظها بين السطور، حينما يعترف بوجود حاجة إلى تصورات وحلول جديدة، سيتم الإعلان عنها قريبًا، فيما يعلن عن الاجتماع الأول للمجلس الوطني أغسطس المقبل، وذلك بهدف الوصول بكازاخستان إلى مستوى جديد من التنمية المستدامة.

وفي السياق نفسه، وكموشر إيجابي نلاحظ مطالبة توكاييف بمساهمة الشباب في ادراة شؤون الدولة وايضا التركيز على التوزيع العادل لثروة البلاد، وتعزيز الحالة الاجتماعية والاقتصادية للشعب ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حيث أمر توكاييف بعد أن أصبح رئيسًا مؤقتًا، للبنك المركزي بخفض سعر الفائدة القياسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 9٪ لتقليل تكلفة القروض العقارية للسكان.

وتبدو اهتمامات توكاييف أكثر قوة في أعقاب السخط الاجتماعي والاقتصادي الذي حدث في فبراير الماضي،  ووفاة خمسة أطفال من عائلة واحدة خلال حريق الانتباه إلى أوضاع الأشخاص الذين يعيشون في فقر، وحينها أمر نزارباييف الحكومة بزيادة مستحقات الأطفال الشهرية المدفوعة للعائلات الفقيرة إلى 55 دولارًا للطفل الواحد وزيادة أجور العاملين في القطاع العام المنخفض الأجر بنسبة 30٪ اعتبارًا من يوليو.

وبالرغم من ذلك، نرى بأن الوضع العام لكازاخستان لن يتغير بشكل كبير، بعد انتخاب توكاييف، وإن كانت هناك بعض المؤشرات الايجابية للمزيد من اهتمامات القيادة بمصالح الشعب ومستقبله، ومنها الوعود والعبارات الصريحة والواضحة حول العلاقة بين قيادة الدولة والشعب بشرائحه المخلتفة.

كما نرى بأن نزارباييف الذي احتفظ بمنصبه كرئيس لكل من حزب نور أوتان الحاكم في البلاد ومجلس الأمن القومي القوي، وبالتالي من حقه ضمان المرحلة الانتقالية بتأييد ودعم كل من يرى لديه القدرة على تحمل المسؤولية ومواصله مسيرة انجازاته التنموية لكازاخستان، ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتطلب الاستمرار في الانجازات وتعزيز فرص تحقيق الرفاهية للشعب والارتقاء بالدولة في شتى المجالات، وهذا ما تحدث عنه الرئيس المنتخب.

وفي هذا المجال اعتقد جازما بأن عهد نزارباييف لم ينته، لأن الأخير باعتباره عنصرا قويا للاستقرار والتعاون الاقليمي والدولي، سيظل مشاركًا نشطًا في صناعة السياسة الاستراتيجية الخارجية والداخلية، بل أكد توكاييف على أنه سيواصل تطوير وتنفيذ رؤية نزارباييف لتنمية البلاد والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وقال: “أقسم رسميًا أن أخدم شعب كازاخستان بإخلاص  وأن أتبع بصرامة دستور وقوانين كازاخستان، وأضمن حقوق وحريات المواطنين، وأؤدي بضمير واجبات رئيس كازاخستان المنوطة بي”.


واعترف توكاييف صراحة بالالتزام بخطى الرئيس الأول وتنفيذ إستراتيجية زعيم الأمة وخاصة فيما يتعلق بالتحديث الثالث لكازاخستان، وتنفيذ الإصلاحات المؤسسية الخمسة وغيرها من الوثائق الاستراتيجية الرئيسية لدولتنا.

وطرح توكاييف تساؤلا كبيراً، نعتقد بأهمية التعمق في شرح أبعاده الداخلية والخارجية، حينما قال:”في السنوات القليلة المقبلة، سيتم حل السؤال الرئيسي في عصرنا: ما هي الدول التي ستكون قادرة على الاندماج في التقدم، ومن سيكون على هامش التنمية العالمية؟ إن التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هو ردنا الصحيح الوحيد على تحديات عصرنا”.

وبذلك نرى بأن توكاييف يريد القول بأنه سيعمل على تعزيز المكانة الدولية والخارجية  لبلاده، وبأن ذلك يتطلب التضحيات والصبر والصمود والوقوف بجانب الحكومة في ممارساتها وبرامجها المستقبلية، بمعنى آخر يريد الرئيس ايصال رسالة الى افراد شعبه بضرورة التحمل والوقوف بجانبه خلال المراحل المقبلة هدفا في تحقيق الرفاهية والتنمية.

كما ركز خطاب الرئيس كثيرا على القضايا الحيوية والرفاهية للشعب، وعن وعوده بتحقيها، فهو يقول:”هدفي الرئيسي هو حماية مصالح كل مواطن في البلاد. لن أسمح بالتفضيل أو التهميش بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية! وأراعي المقترحات والمبادرات القيمة التي تأتي من قبل شخصيات سياسية وعامة مختلفة وأضعها في الحسبان أثناء أداء مهمتي”.

فقد كان حديث الرئيس توكاييف صريحا وشفافا خلال الانتخابات وأيضا إبان المظاهرات التي انتشرت في بعض أحياء مدينة ألماتي، وإعلان وزير داخلية كازاخستان عن الحدث، ولم يكن هناك ما يمكن ان يتكتم عليه… وهذا مؤشر قوي على اتباع سياسة الشفافية والوضوع في التعاطي مع القضايا الهامة التي تتعرض لها البلاد وخاصة فيما يخص الانتخابات والاعتراضات عليها من قبل المعارضين لها.

بل وطالب الشعب بشحذ الهمم خدمة للوطن، من خلال كلماته التي أكد عليها :“لدينا وطن واحد فقط! مصيرنا واحد! نحن نعمل معا من أجل مستقبل شعبنا! صحيح أن مواطنينا أدلوا بأصواتهم داعمين التوجه الاستراتيجي للرئيس الأول في الانتخابات!”


ومن المطالب المحلة والمهمة والتي تعانق مصالح افراد الشعب، إعتراف توكاييف باحقية المواطنين الكازاخ المطالبة بحقوهم الشرعية على اعتبار أن  كازاخستان تقدمت ووصلت إلى هذه الدرجة من الإزدهار والرفاهية، أيضا يمكن اعتبارها توجها إيجابيا للقيادة المقبلة تجاه المصالح الاساسية للشعب.


وتعهده بالعمل على معالجة المشكلات الاجتماعية الحادة وتقديم المساعدة للمواطنين الأكثر احتياجا، وهي من القضايا الملحة والمهمة في المجتمع الكازاخي بعد التداعيات الاجتماعية الاخيرة التي شهدتها كازاخستان.

وطرح توكاييف سؤالا واضحا ومباشرا، تسائل فيه حول ما هي مشكلة الشعب اليوم؟ وأجاب عن هذا السؤال بكل وضوح وشفافية، قائلا:يطلب المواطنون أن تسود العدالة في كل مكان بدءا من السياسة الإجتماعية حتى تقديم الخدمات الحكومية للشعب.

 يهم الشعب انخفاض حجم الدخل حيث أثر عدم الاستقرار في الأسواق المالية العالمية وضعف العملة القومية “تنجي” على دخل وإيرادات المواطنين سلبيا، فاضطر ملايين من الشعب اللجوء للاقتراض من البنوك. والمشكلة الملحة الأخرى التي تزعج المجتمع هي زيادة الفجوة بين المواطنين ذوي دخل المرتفع والمواطنين الأقل حظا”. 

وتعهد توكاييف برفع مستوى الدخل لدى الشعب ومحاربة الفساد، وإصلاح النظام القضائي ونظام إنفاذ القانون، وخلق فرص عمل جديدة وتوفير مرتبات محترمة للشعب، وحل مشاكل الإسكان، وتحقيق سياسة اجتماعية عادلة، ودعم التعليم العام، وإقرار  مسار جديد للتنمية المحلية، وتعزيز قيم برنامج “تحديث الوعي” رؤية لتنمية الثقافة. 

لقد كان حديث الرئيس مليئا بالآمال والوعود والاصرار على مواجهة التحديات المستقبلية إلى درجة التطرق لعبارة قلما يتحدث عنها القادة  والرؤساء، ألا وهي التوزيع العادل لثروة كازاخستان بين أفراد الشعب الكازاخي وفي الوقت نفسه محاربة الفساد وانه لا مكان لتدمير الدولة بهذه الممارسات.

وسعى توكاييف خلال خطابه، بالتأكيد على نهج سلفه زعيم الأمة في تبني سياسات الاصلاح والتنمية والنهضة، وطرح أجندة شاملة للشعب الكازاخي وكازاخستان الحاضر والمستقبل، فيما يلاحظ على كلماته إبداء نيه وتوجه إلى التوفيق بين متطلبات المعارضة والحزب الحاكم الحالي.

نرى أيضا بأن الرئيس توكاييف سعى من خلال خطابه إلى استقطاب القاعدة الجماهيرية الكازاخية، طعما في الفوز بالدعم الشعبي والجماهيري لبرامجة وسياساته المقبلة.

على العموم، وبالرغم من استمرارية توكاييف لمسيرة نزارباييف، فإن الأول ومن خلال كلماته يحاول ترسيخ حالة الاستقطاب الجماهيري وذلك لاشراك الشعب في تحمل المسؤولية من ناحية والحصول على منحزات تلك المشاركة من ناحية أخرى، وهذا نعتقده من الأمور التي ربما تخدم الدولة والشعب معا.

في الختام يمكن القول إنه وبالتأكيد هناك فريق يؤيد وآخر يعارض اختيار توكاييف، لكن وبالتحليل العلمي الهادئ والمتزن للخطاب، يبدو الأمر مختلفا من حيث توقعات النتائج على اعتبار أن توكاييف هو الحليف والخليفة الأقوى لمؤسس كازاخستان وباني نهضتها وتقدمها داخليا وخارجيا.. مما يعني في رأينا ضرورة افساح المجال لوعود توكاييف واعتبارها مرحلة انتقالية وتجربة لسياسته التي طغى عليها خدمة البلاد ومواطنيها بشكل أساسي.

إن تحقيق الوعود مهمة انسانية واخلاقية في الدرجة الأولى. وإن غدا لناظرة قريب…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WhatsApp chat