هيومان رايتس: لا يمكننا معرفة حقيقة أعداد حالات كوفيد-19 في ماليزيا

كوالالمبور – “أسواق”
شهدت ماليزيا في الأيام الأخيرة تراجع أعداد الإصابات اليومية بفيروس كوفيد-19 إلى أرقام من مرتبتين فقط، وذلك منذ 20 أبريل الجاري ورغم جو التفاؤل الذي تسببت به هذه الأرقام إلا أن من الباكر الاحتفال بتجاوز الوباء في ماليزيا.
فالواقع يفترض التعامل مع هذه الأرقام بحذر، وتشرح الكاتبة مانغاي بالاسيغرام من منظمة “Human Writes” الأسباب وراء عدم معرفتنا بشكل واضح لأعداد الإصابات بالفيروس في ماليزيا، حيث تقول أن هذه الأرقام لها طبقات غير واضحة للعيان وعلينا إزالة تلك الطبقات لرؤية القصة الكاملة وراء الأرقام.
على سبيل المثال، أعداد الإصابات الكبيرة في ألمانيا يمكن أن تعكس الفحوصات الواسعة التي أجرتها الحكومة هناك، حيث أجرت ما يقارب 400,000 فحص للفيروس خلال أسبوع واحد في شهر أبريل الجاري، وهذا الرقم أكبر من إجمالي الفحوصات في بعض الدول منذ بداية الوباء.
بدورها كانت سنغافورة ضمن قائمة قصص النجاح في التعامل مع الفيروس حتى منتصف شهر أبريل الجاري، بوصولها إلى متوسط 28 حالة يومية فقط، لكنها في تاريخ 21 أبريل سجلت أكثر من 1,000 حالة في يوم واحد، معظمها بين الموظفين والعمال الأجانب، وتتصدر سنغافورة اليوم قائمة الإصابات في في قارة آسيا. لكن سنغافورة في الواقع تجري حالياً فحوصاً واسعة النطاق لتقصي وحصر جميع الحالات والأشخاص الذين تواصلوا معها والتي بدأت عبر عامل من بنغلادش وقادت الحكومة إلى رصد بؤرة ضخمة من انتشار الفيروس بين العمال الأجانب، وكان من الممكن ألا يتم رصد هذه البؤرة نهائياً خصوصاً أن الأعراض كانت خفيفة لدى معظم أولئك العمال.
وقالت وزارة الصحة في سنغافورة إن: “العمال كانوا مقيمين في وحدات السكن بدون أن يبلغوا عن أي حالات مرضية، قبل أن تتوجه وزارة الصحة إليهم لإجراء الفحوصات التي أظهرت الكثير من الحالات الإيجابية بينهم”.
بحسب موقع “Worldometers” لإحصائيات كوفيد-19، فإن معدل إجراء الفحوصات في سنغافورة هو 16,203 لكل مليون نسمة، وهو ما يعادل خمسة أضعاف معدل الفحوصات في ماليزيا، و450 ضعفاً مقارنة بمعدل الفحوصات في إندونيسيا حتى بداية أبريل 2020 والذي بلغ 36 لكل مليون نسمة! حيث واجهت الحكومة الإندونيسية مصاعب في الحصول على معدات فحص الفيروس، ورغم أنها زادت معدل الفحص إلى 184 لكل مليون لكن لا زال أمامها طريق طويل للوصول إلى المعدل المطلوب، فهل تبدو حصيلة الإصابات في إندونيسيا والبالغة 7,100 حالة فقط منطقية مع معدل الفحوصات هذه؟ والأمر نفسه قد ينطبق على ماليزيا بشكل أقل لكن لا يمكن تجاهله.
بالطبع فإن الموتى لا يستطيعون الكلام، لكن المقابر توفر بيانات وأرقام وفي شهر مارس كان هناك 84 حالة موثقة من وفيات كوفيد-19 في العاصمة الإندونيسية جاكرتا ولكن مع 4,440 إجراء دفن، وهو رقم أكبر بنسبة 40% مما تسجله المدينة منذ شهر يناير عام 2018، بحسب تقرير لوكالة رويترز مبني على بيانات من مؤسسة الحدائق والمقابر في إندونيسيا.
وكشفت رئيسة وكالة الغابات في جاكرتا سوزي مارسيتاواتي للصحفيين في بداية أبريل أن عمال المدافن كانوا يرتدون معدات الحماية الطبية ويلفون الجثث بالبلاستيك عوضاً عن الأكفان البيضاء كما تقتضي عادات الدفن بحسب الشريعة الإسلامية.
إحصاء أعداد وفيات الفيروس يعتبر مشكلة حالياً في العديد من الدول، ففي 22 أبريل الجاري نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً قال إن التقديرات تشير إلى وفاة 41,000 شخص في بريطانيا نتيجة الوباء، وهو ضعف الرقم الرسمي للحكومة البريطانية والذي يبلغ 17,337، ويتضمن هذا الرقم الكبير الوفيات في دور العجزة والمسنين والوفيات في المنازل.
فيما نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً قالت فيه إن أعداد وفيات الفيروس في 11 بلداً حول العالم هي أكبر بـ 25,000 حالة من الأرقام الرسمية في تلك الدول خلال الشهر الماضي، وذلك اعتماداً على معدلات الوفيات في تلك الدول في السنوات الماضية.
ماذا عن أعداد المصابين؟ أظهرت دراسة لجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، أن أعداد المصابين الذين لا يعانون من أية أعراض قد تصل إلى 50 – 85 ضعفاً مقارنة بالأرقام الرسمية التي تم تشخيصها، فيما استطاعت عمليات الفحص الموسع في آيسلندا كشف أن حوالي 50% من المصابين بالفيروس لم يظهروا أي من أعراض المرض، وهذا يطرح السؤال من جديد عن النتيجة التي قد نتوصل إليها في ماليزيا في حال توسيع الفحوصات على نطاق كبير كما في تلك الدول.
توسيع عمليات الفحص على المستوى الوطني هي خطوة حاسمة في التعامل مع الوباء، وعدم القيام بها قد يؤدي لتجاهل بؤر كبيرة للوباء، وسنغافورة خير مثال، كما أن ماليزيا لديها تراكم لأكثر من 8,000 فحص لفيروس كوفيد-19 حتى بداية أبريل 2020، بحسب تقرير نشره موقع “Code Blue”، وتعمل وزارة الصحة الماليزية على إعداد خمس مختبرات جديدة لتسريع عمليات الفحص واستيراد المزيد من معدات الفحص من كوريا الجنوبية.
كل العوامل السابقة تشير بلا شك إلى أن الأرقام الحالية حول فيروس كوفيد-19 قد لا تعكس الواقع الحقيقي لأعداد الإصابات وحجم انتشار الفيروس في البلاد، وتؤكد أن توسيع الفحص على مستوى وطني في ماليزيا هو السبيل الوحيد للوصول إلى حصر الوباء بشكل فعّال والاقتراب من تحديد الحجم الواقعي لانتشار الوباء.
عند رفع تقييد الحركة في ماليزيا والإجراءات المرتبطة به فإن التقصي الواسع وتوسيع نطاق الفحص في ماليزيا سيصبحان ضرورة قصوى لتحديد أي بؤر محتملة لانتشار الفيروس وحصر انتشارها قبل أن نواجه انتشاراً واسعاً للفيروس قد يجبر المستشفيات على الوصول إلى حافة الانهيار وقد يضطر حكومة البلاد إلى فرض تقييد الحركة من جديد والعودة إلى المربع الأول.
الأرقام بلا شك ستحدد كيفية التعامل مع انتشار كوفيد-19 في ماليزيا، لكن فهم تلك الأرقام ومعرفة الثغرات والأنماط التي تظهرها تلك الأرقام ستكون وسيلة الدفاع الوحيدة لنا في ماليزيا ضد الفيروس القاتل.