أدب وتراث

إحدى أساطير ولاية صباح الماليزية… قصة “مونسوبياد المقاتل” الذي هزم نفسه

كوالالمبور – أسواق

تشتهر ولاية صباح الماليزية والجزء الشمالي من جزيرة بورنيو بكونها الحاضنة لواحدة من أقدم سلالات السكان الأصليين في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث عاش هؤلاء في تلك الجزيرة لآلاف السنوات، وسطروا فيها قصصهم وآثارهم القديمة منذ زمن بعيد، ومن هذه القصص الرائعة قصة المحارب الأسطوري مونسوبياد الذي ما زالت آثار قصته موجودة حتى يومنا هذا.

تبدأ قصة مونسوبياد في قرية كواي في صباح، حيث كانت امرأة تدعى كيزابون وزوجها “دانجو” ينتظران ولادة طفلهما حينما جاء طائر مقدس من فصيلة “بوجانغ” ليضع فراخه فوق سطح المنزل، وهو ما اعتبره الأب علامة حسن الحظ لابنه ودليلًا على امتلاك ابنه قدرات خارقة عن بقية البشر وقرر تسميته “مونسوبياد” حيث اعتنى به وبالطيور طوال الوقت.

“مونسوبياد” الذي نشأ في قريته عايش معاناة أهل قريته من غزوات اللصوص الذين كانوا يستغلون أهل القرية، حيث لم يستطع سكانها سوى الاختباء وترك اللصوص ينهبون منازلهم، لكن “مونسوبياد” الذي تدرب لأكثر من عشرة أعوام وبفضل امتلاكه للقوى الخارقة التي منحه إياها طائر “بوجانغ” استطاع أن يصبح مقاتلًا شديد القوة وبدأت أسطورته بالتشكل.

المقاتل القوي بدأ بمطادرة جميع اللصوص والقبائل التي هاجمت قريته لينتقم لأهل قريته حيث كان يعود من معاركه الدموية حاملًا رؤوس أعدائه ليقوم بتعليقها في سقف منزله كتذكار ودليل على قوته وشجاعته، في المقابل لم يطلب “مونسوبياد” من أهل قريته شيئًا سوى أن يعامل كبطل ويرحب به في كل مرة يعود من المعركة حاملًا رؤوس الأعداء.

مع مرور الزمن استطاع “مونسوبياد” القضاء على جميع أعداء قريته واللصوص والعصابات في الجزيرة، ليصبح في نظر سكان قريته أسطورة حية، حيث لم يعد أحد يجرؤ على الاقتراب من قرية كواي خوفًا من أن يقتل على يد المقاتل الأسطوري، وهكذا حقق “مونسوبياد” هدفه في أن يصبح البطل الأوحد في القرية، لكن هذه ليست نهاية القصة.

مع مرور الزمن أصبحت شراهة “مونسوبياد” للقتال وقطع الرؤوس مخيفة، وبدأت الرغبة في القتال والعراك تراوده من جديد، وهنا بدأ “مونسوبياد” يفتعل المشاكل مع أبناء القرى المجاورة ليدخلوا معه في معارك تكلفهم رؤوسهم حيث عاد البطل لعادته المفضلة في قطع الرؤوس وتعليقها كتذكار في سقف منزله، واستمرت هذه الحوادث المؤسفة حتى قتل “مونسوبياد” في أحد الأيام شابًا من أبناء قريته نفسها!

هذه التصرفات الإجرامية دفعت بشجعان القرية ومقاتليها الذين كانوا ينظرون لـ “مونسوبياد” كأسطورة حية ومثالهم الأعلى إلى أن يجدوا أنفسهم أمام خيار واحد لا رجعة عنه، وهو التخلص من “مونسوبياد” الذي أصبح يشكل خطرًا على القرية بأعماله، وبالفعل وضعوا خطة محكمة وتوجهوا في أحد الليالي إلى منزل البطل الأسطوري للقضاء عليه.

مدفوعًا برغبة الدفاع عن نفسه قاتل “مونسوبياد” طوال الليل أمام مجموعة كبيرة من الفرسان الأقوياء ليكتشف أنه قد فقد قدراته الخارقة التي منحه إياها طائر “بوجانغ” وتنتهي القصة بمقتله على يد أبناء قريته، الذين لم ينسوا أفضال “مونسوبياد” عليهم وأقاموا له وداعًا يليق ببطل القرية الأسطوري.

اليوم يستطيع زوار ولاية صباح الماليزية الاطلاع عن قرب على أسطورة “مونسوبياد” في قرية مونسوبياد الثقافية في الولاية، حيث تضم تلك القرية منزل البطل الأسطوري، الذي ما زالت فيه الجماجم المعلقة حتى يومنا هذا، ويقدم مرشدو القرية القصة كاملة للسياح حيث يمكنهم الاطلاع على بعض آثار القرية والمخطوطات والتحف الخاصة بسكانها الأصليين منذ آلاف السنوات.

القرية القديمة ومنزل “مونسوبياد” والقصة المميزة لا زالت موجودة جميعها كدليل على واحدة من القصص المميزة في الأدب المنقول في ماليزيا، وفيها العديد من العبر والحكم حول القوة والشجاعة والصواب والخطأ، لتتجلى عبرتها في قصة البطل الأسطوري الذي رغم كل أعماله البطولية فقد ارتكب الأخطاء والجرائم التي دفعت به لأن يهزم نفسه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WhatsApp chat