كاتب وشاعر وناشط سياسي… عبد الصمد سعيد: المقاتل الأديب

كوالالمبور – “أسواق”
تبرز في الساحة الأدبية الماليزية اليوم الكثير من الأسماء اللامعة والتي ينال العديد منها شهرة عالمية في مختلف مجالات الأدب والكتابة، لكن حتى اليوم لا زالت هناك أسماء صامدة في المجتمع الأدبي الماليزي كرموز شهيرة نالت التقدير في أحيان وأثارت الكثير من النقاشات في أحيان أخرى، تلك الأسماء كانت صامدة في زمن لم تكن فيه الكتابة والشعر والأدب عملاً لا يخلو من العواقب في ماليزيا، وأحد تلك الأسماء الكاتب والشاعر الماليزي عبد الصمد سعيد.
ولد الكاتب عبد الصمد سعيد في عام 1932 في ولاية ملاكا الماليزية، ونال تعليمه في سنغافورة إبان الحرب العالمية الثانية وخلال فترة احتلال اليابان لشبه الجزيرة الماليزية، وتخرج في العام 1956 من مدرسة “فيكتوريا” في سنغافورة، قبل أن يعمل كمساعد في أحد المستشفيات لفترة وجيزة. كل تلك الظروف لم تثن عبد الصمد عن شغفه الأول وهو الكتابة وكان له ما أراد حين بدأ العمل في صحيفة “أوتوسان ملايو”.
العمل في الصحيفة كان بوابة عبد الصمد للبدء بنشر العديد من القصص القصيرة والقصائد المختلفة، والتي تناولت الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية في ماليزيا والمجتمع الماليزي، وتنقل بعد ذلك في العديد من الصحف المرموقة في ماليزيا وسنغافورة، حيث ذاع صيته كأحد أبرز الشعراء والكتاب الصحفيين في البلاد.
فترة تألق عبد الصمد سعيد كأحد أبرز الكتاب والصحفيين في ماليزيا تلقت ضربة قوية باعتقاله من قبل الحكومة الماليزية تحت قانون الأمن الوطني، حيث شهدت فترة الستينيات توتراً كبيراً في البلاد، وتم توقيف الكثير من الناشطين الحقوقيين والكتاب والسياسيين وغيرهم، لكن خروج عبد الصمد من السجن أعاده لحياته من جديد ليستمر في الكتابة.
كاتب شامل
يمتلك عبد الصمد سعيد إرثاً أدبياً كبيراً في المجتمع الأدبي الماليزي، فقد كتب في كل الأشكال الأدبية المعروفـة، حيث يمتلك العديد من القصائد والروايات والمقالات والقصص القصيرة، كما كتب للمسرح وألف العديد من الأغاني.
رواية “سالينا” تعتبر واحدة من أشهر أعمال عبد الصمد سعيد والتي كتبها في عام 1961 ويعتبر الكثيرون أنها كانت السبب في اعتقاله، وهي رواية تروي قصة بائعة هوى تعيش في ماليزيا قبل الاستقلال، وتحكي الرواية قصص الكثير من شخصيات المجتمع الماليزي من مختلف الأعراق والأديان ومناحي الحياة، وتعتبر من أوائل الروايات الماليزية التي تندرج ضمن مجال “الواقعية السحرية” والتي يشتهر بها الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز.

كما يمتلك مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية المختلفة، والتي ترجمت إلى العديد من اللغات، ولعل أشهرها قصيدة “الغراب الميت” والتي تمتلك شهرة كبيرة في ماليزيا وتدرس في مواد الأدب في العديد من المدارس الماليزية.
التنوع الكبير في الكتابة، إضافة لجرأة المواضيع التي تناولها عبد الصمد في اعماله، مكنته من نيل تقدير المجتمع الأدبي في ماليزيا لسنوات طويلة، ومنحه ذلك المجتمع العديد من الأسماء والألقاب، لعل أشهرها “المقاتل الأديب” حيث مُنح هذا اللقب رسمياً في عام 1976، كما نال الكثير من الثناء من مجتمع اللغويين الماليزيين لجهوده في تطوير اللغة الملاوية ونشرها بين الناشئة والشباب في ماليزيا.
جوائز عديدة
التميز الذي امتلكه عبد الصمد سعيد خلال مسيرته الطويلة، والعديد من الأعمال الأدبية المميزة والتي تركت بصمة واضحة في الإرث الأدبي الماليزي، مكنته من نيل العديد من الجوائز والتقديرات في مجال الأدب والكتابة، ومن أبرزها جائزة جنوب شرق آسيا للكتابة في عام 1979 حيث نال الجائزة عن روايته “سالينا”.
وفي عام 1985 نال جائزة الأدب الوطنية الماليزية والتي تعتبر من أرفع الجوائز الأدبية في ماليزيا، وتقدم للأدباء الذين يمتلكون إسهامات متميزة في الأدب الماليزي واللغة الملاوية، حيث نال عبد الصمد سعيد الجائزة تقديراً لأعماله الأدبية المختلفة والتي ساهم من خلالها بإثراء المحتوى الأدبي الماليزي واللغة الملاوية.
كما نال جائزة دول أسيان للآداب في عام 1993، وفي عام 1995 نال جائزة الأرخبيل “نونسانترا” الأدبية، والتي تقدم للأدباء في منطقة ماليزيا وإندونيسيا، والمتحدثين باللغة الملاوية والإندونيسية التين تمتلكان جذوراً مشتركة كأحد لغات “الباهاسا”. اليوم وبعمر 87 عاماً لا زال عبد الصمد سعيد واحداً من أشهر الكتاب الماليزيين الذين مروا على الساحة الأدبية في ماليزيا، كاسم سطر نفسه في صفحات الأدب الماليزي من خلال الروايات والقصائد والكلمات.