من محام ناجح إلى واحد من أشهر الروائيين في ماليزيا… الكاتب الماليزي تان توان إنج

كوالالمبور – “أسواق”
فن الرواية في ماليزيا ليس شكلاً أدبياً متجذراً في الثقافة والتراث الأدبي الماليزي، خصوصاً أن الكثير من الأدب الذي لا زال حياً من تراث البلاد هو أدب انتقل شفوياً عبر أجيال وقرون عديدة، لكن رغم حداثة الرواية كشكل أدبي في ماليزيا إلا أنها قدمت أسماءاً متميزة في هذا المجال استطاعت حصد الشهرة العالمية والتقدير في مختلف الأوساط الأدبية ولعل من بين أشهر تلك الأسماء في ماليزيا الكاتب والروائي الماليزي تان توان إنج.
ولد تان توان إنج في عام 1972 في ولاية بينانج الماليزي لعائلة من أصول صينية، ونشأ في العاصمة الماليزية كوالالمبور حيث قضى معظم فترات طفولته ومراهقته وصولاً إلى مرحلة الدراسة الجامعية، حيث انتقل للعيش في بريطانيا حيث درس القانون في جامعة لندن، قبل أن يعود إلى بلده ليعمل محامياً ومتطوعاً في أحد المؤسسات القانونية في العاصمة.
رغم نجاحه في عمله كمحام إلا أن “إنج” كان مولعاً بالكتابة ومتأثراً بالعديد من الثقافات خصوصاً اليابانية، إضافة إلى دراسته شهادة الماستر في جامعة كيب تاون في عاصمة جنوب إفريقيا، حيث أكمل روايته الأولى “هبة المطر” عندما كان لا يزال يدرس الماستر في جنوب إفريقيا.
رغم أن مسيرة تان توان إنج الأدبية لا زالت تقتصر على روايتين فقط، إلا أن هاتين الروايتين حققتا نجاحاً كبيراً في ماليزيا ومختلف دول العالم، وقدمتا له شهرة وتقديراً كبيراً على الصعيدين الأدبي والشعبي في ماليزيا والعديد من دول العالم، وهو ما جعله اسماً متردداً بكثرة على قوائم الجوائز الأدبية في العديد من المحافل الأدبية في العالم.
رواية “هبة المطر” التي أصدرها في عام 2007 تحكي قصة “فيليب هوتون” الإنجليزي الذي ولد لأم صينية الأصل في بينانج، والذي يتزوج من الدبلوماسية اليابانية “هاياتو إندو” التي تعمله فن “ايكيدو” القتالي، وتتطور علاقة الزوجين مع نشوب الحرب العالمية الثانية واجتياح اليابان لماليزيا، حيث يدخلان في صراع بين حبهما والعائلة وبين الواجب تجاه الوطن، حيث تقدم الرواية عرضاً رائعاً للشخصيات والصراعات التي تعانيها النفس البشرية في الحرب، كما تقدم لمحة تاريخية مميزة عن أحداث تلك الفترة.
قصة الرواية تتأثر بشكل واضح بحياة الكاتب نفسه، والذي يمتلك شغفاً كبيراً بالثقافة اليابانية، وفن “ايكيدو” تحديداً، حيث تعلم توان إنج هذا الفن منذ طفولته وتدرب لأكثر من 15 عاماً لينال حزاماً في هذه الرياضة، ويقول إنه فكر في فترة معينة من حياته بالسفر إلى اليابان ليتفرغ لدراسة وتعلم فلسفة وفن هذا الطراز القتالي الياباني.
هذه الرواية دخلت قائمة الروايات المرشحة لجائزة “البوكر” العالمية للكتب، ورغم أنها لم تحقق الجائزة إلا أنها سلطت الأضواء على توان إنج كأحد أبرز الوجوه الروائية الجديدة في ماليزيا، ومنحت مساحة جديدة للفن الروائي في ماليزيا للظهور عالمياً.

عودة توان إنج للرواية كانت في عام 2012 مع روايته الثانية “حديقة الضباب” والتي تُرجمت إلى أكثر من 12 لغة بينها العربية، وتروي أحداث الرواية في ملايا قبل أن تصبح ماليزيا عام 1949، وتحكي قصة فتاة صينية عانت من بطش قوات الاحتلال الياباني قبل أن تعود إلى غابات شمال ملايا حيث ولدت لتتعرف على مقاتل ياباني منفي من بلاده بقرار من الإمبراطور الياباني، ورغم كرهها لليابانيين إلا ان الفتاة تطلب من الجندي الياباني تعليمها كيفية إنشاء حديقتها الخاصة بفضل خبرته الكبيرة في الحدائق، ويقرر الياباني تعليمها خبراته بعد أن تصبح تلميذته.
واكتسبت الرواية شهرة عالمية كبيرة مكنها من الفوز بجائزة “البوكر” للكتاب الآسيويين في عام 2012، وجائزة “وولتر سكوت” لروايات الخيال التاريخي، وتعتبر واحدة من أكثر الروايات مبيعاً في تاريخ الأدب الروائي الماليزي، حيث امتلكت شهرة كبيرة محلياً وعالمياً، ووصفتها صحيفة ديلي تليغراف البريطانية بأنها “رواية تبقى معك طويلاً بعد قراءتها”.
يتميز أسلوب الكاتب توان إنج بالهدوء والوضوح، حيث يحرص على جعل الأحداث واضحة تماماً للقارئ كما أنه يعمل على بناء قصصه بإيقاع هادئ كما هو الحال في روايتيه الشهيرتين، ووصف إنج أسلوبه في حوار صحفي أجراه قبل سنتين بقوله “أهدف بشكل رئيسي من كتابتي أن أكون واضحاً تماماً للقارئ، وذلك ربما بفعل عملي السابق كمحام”.
ويضيف إنه لا يحبذ قراءة الكتب التي يحاول الكاتب فيها أن يظهر أذكى من القراء عبر جعل الرواية أو القصة أصعب مما يتطلبه الأمر.