اقتصاد

مقاطعة منتجات غير المسلمين.. حملة تثير الجدل في ماليزيا

كوالالمبور – “أسواق”

يتصاعد الجدل في ماليزيا، سياسيّا ودينيّا واقتصاديّا، حول آثار وتداعيات الحملة المستمرة التي بدأت قبل نحو شهرين تدعو لمقاطعة منتجات غير المسلمين، قبل أن تتحول -على إثر مخاوف محسوبة- إلى حملة لدعم المنتج الإسلامي أولا، دون التعرض بالتحريض ضد المنتجات الأخرى.

بزوغ الحملة وتصاعدها

“أسواق” تسلط الضوء في هذا التقرير على منشأ وتداعيات هذه الحملة التي تنامت في ماليزيا منذ أواخر شهر آب/ أغسطس الماضي، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، والداعية إلى مقاطعة المنتجات والشركات غير الإسلامية، في امتداد لحركة غير فاعلة برزت أواخر ديسمبر من العام الماضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للمقاطعة.

وتابعت “أسواق” تصاعد الجدل حول هذه الحملة وتحولاتها، وسط توترات عنصرية ودينية متصاعدة أصلا في ماليزيا حول قضايا مثل إدخال “خط جاوي” في منهج البهاسا الماليزي، وتصريحات الداعية ذاكر نايك وتداعياته، ومخاوف الملايو من الذوبان العرقي في البلاد وغيرها.

ردود فعل غاضبة

وأثارت حركة المقاطعة هذه ردود أفعال غاضبة، على كل المستويات، السياسية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني، في الوقت الذي زعم مؤيدوها أنها مجرد حركة لدعم الشركات الإسلامية، غير أن المزاج العام، خاصة الحكومي، كان من اللحظة الأولى ضد هذه الحركة جملة وتفصيلا، وهو ما شجع على تحول إرادة هذه الحملة إلى “دعم المنتج الإسلامي أولا”.

ومطلع سبتمبر الماضي، وفي أوج هذه الضجة، أكد مجلس الوزراء بالإجماع على أن الدعوة لمقاطعة المنتجات غير المسلمة غير معقولة مطلقا وضيقة الأفق وأسست لمشاعر عرقية في البلاد، وحثت الناس على إلقاء دعمهم وراء المنتجات الماليزية عموما.

لا يُعلم على وجه التحديد إن كان ثمة جهات سياسية أو دينية تقف خلف هذه الحركة، ولا يغلب على الحملات الرائجة على الإنترنت لون معين، إلا أن اتهامات وجهت بالفعل لبعض الأحزاب، منها حزب منظمة الملايو المتحدة “أمنو” والحزب الإسلامي الماليزي “باس”، بالوقوف خلف هذه الحركة، في الوقت الذي نفى بعض قادة الحزبين هذا الاتهام.

التحول في الأهداف

يبدو أن الوعي الماليزي لمخاطر حملة المقاطعة على الاقتصاد والأمن الاجتماعي، أجبر القائمين على الحملة إلى إجراء تحولات في أهدافها، بحيث تكون داعمة للمنتج الإسلامي، دون الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأخرى.

وبالفعل، برزت خلال الشهر الأخير، حملة “اشترِ المنتجات الإسلامية أولاً”، وحملة “المسلم أولا”، وهي حملة قديمة بالأساس، تم تجديدها لمحاولة إصلاح مسار حملة المقاطعة الذي تنامى في أغسطس الأخير.

ففي وقت سابق من هذا العام، أطلقت منظمة الأمة غير الحكومية حملة “دعم المنتجات الإسلامية”، لكنها بنفس الوقت طلبت عدم مقاطعة السلع المنتجة لغير المسلمين، وبالفعل، طالب الكثيرون بالانحياز إلى حملة “المسلم أولاً”، وعكست كثير من المنشورات على مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي هذا التغيير، حيث يروج الكثيرون للمنتجات والشركات الإسلامية بدلاً من مهاجمة غير المسلمين أو منتجاتهم.

واكتسب التحول إلى حملة “المسلم أولاً” المزيد من المؤيدين، بمن فيهم مفتي برليس محمد عصري زين العابدين، الذي كان قد انتقد حملة المقاطعة لكنه قال إن إعطاء الأولوية للمنتجات الإسلامية هو خيار أفضل بكثير لأنه سيساعد الاقتصاد الماليزي.

كما أعرب رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق عن دعمه لحملة لشراء المزيد من المنتجات المصنوعة من المسلمين.

رفض حكومي

وقبل أن تتحول الحملة من حملة مقاطعة إلى حملة إعطاء الأولوية لمنتجات المسلمين، انتقد مسؤولون حكوميون حركة المقاطعة. وفي المقدمة كان رئيس الوزراء مهاتير محمد، الذي قال إن ذلك لن يحسن الوضع بل سيؤدي إلى مزيد من الغضب.

وقال: “ربما يكون هناك بعض الأشخاص ذوي العقلية الضحلة الذين يقومون بمثل هذه الأشياء. لكن ذلك لن ينجح. المقاطعة ليست سلاحًا فعالًا. لا فائدة من القيام بذلك وسوف يسبب غضب الآخرين، لذلك لا تقاطعوا منتجات أي شخص”.

كما أدان وزير المالية “ليم جوان إنج” المقاطعة، قائلاً إن مثل هذه الأعمال ستكون ذات نتائج عكسية، وقال إن “هذا لن يضر بالوحدة الوطنية فحسب، بل يمكن أن يتسبب أيضًا في “خسارة المستهلكين عن طريق مقاطعة المنتجات المتفوقة في السعر والجودة”.

ومن بين الوزراء الآخرين الذين تحدثوا ضد المقاطعة وزير تنمية رواد الأعمال رضوان يوسف ووزير التجارة وشؤون المستهلك المحلي سيف الدين نسوشن اسماعيل.

حتى قدامى المحاربون في الجيش انتقدوا الحملة، وقالوا إن الحكومة لم تفعل ما يكفي لوقف الحملة. ونقلت صحيفة The Star عن داتوك محمد أرشد راجي، رئيس رابطة المحاربين القدامى، قوله: إن “الحملة تشكل خطرا على اقتصاد البلاد، مثل هذه الدعوة لا معنى لها، وغبية، غير ناضجة، ومزعجة، وتهدد بإعاقة التقدم اقتصاديًا”.

الصينيون يشتكون

حسب وزير التجارة وشؤون المستهلك، لم يتم الإبلاغ عن أي آثار لحملة المقاطعة حتى الآن، وقال إن “جمعيات التجارة والأعمال لم تبلغه بأي تأثيرات من الحملة، حتى الآن لم يشيروا إلى أن المقاطعة تؤثر عليهم”، كان هذا التصريح في سبتمبر.

لكن في أكتوبر، نقلت وكالات الأنباء عن منظمة الأمة غير الحكومية أن حملتها “المسلم أولا” تسير على الطريق الصحيح، وأن أصحاب الأعمال الملايو أبلغوا عن زيادة في المبيعات من 50 إلى 100%. في مقابل شكاوى من أصحاب الأعمال الصينيين من أن أعمالهم قد انخفضت بنسبة 50 %.

وقال مسؤول المنظمة، وفق ما نقل عنه موقع “ماليزيا كيني”: “مهمتنا الآن هي الحصول على مزيد من المشاركة من بائعي الملايو”، مشيرا إلى أنه بسبب شعبية الحملة، تلقى شكاوى من زملائه من الأعضاء وأصحاب الأعمال تعرضهم للترهيب من قبل جهات معينة.

وشدد على أن منظمته لا تطلب من الجمهور مقاطعة منتجات غير المسلمين، لكن إعطاء الأولوية للمنتجات المصنوعة من قبل المسلمين”، وقال: “المتضررون من الحملة هم المتاجر، لكن المصانع وتجار الجملة ما زالوا يجنون الأرباح كالمعتاد”.

هل ترتد الحملة على المسلمين؟

وزير المالية السابق جوهري عبد الغني حذر من حملة مقاطعة المنتجات غير المسلمة، وقال: “في الأعمال التجارية، ويمكن أن تتداخل مصلحة الأحزاب من مختلف الأعراق، على سبيل المثال، قد ينشئ الملايو مصنعا ويخططون لتوسيعه عن طريق الحصول على قرض من صيني، حينها قد يحتفظ الصينيون بنسبة 51 % من الأسهم كضمان حتى يتم سداد القرض”.

وأضاف خلال مؤتمر لحزب أمنو أواخر سبتمبر: “ما يقلقني هو أن منتجات المسلمين ستواجه المقاطعة عن غير قصد، إن المهم هو أن يفكر المسلمون فيما إذا كان المنتج حلالاً أم لا بدلاً من النظر إلى العرق، ففيما يتعلق بالأعمال التجارية، فهي عالمية. المعنى العالمي لا يأخذ في الاعتبار لون البشرة، سواء كان ماليزيًا أو صينيًا أو هنديًا. التمايز هو ما إذا كان المنتج حلالًا أم لا”.

ويبدو أن تأثيرات هذه الحملات لن يقف عند هذا الحد، وربما تكشف الأيام القادمة عن تداعيات أخرى، خاصة على المستوى الاقتصادي، فهل يلزم الحكومة مزيد من الحزم تجاه هذه الحركة، أم أن البلاد بانتظار تطورات جديدة وأكبر مع استمرار منظمي الحملة في الترويج لحملتهم في مختلف أنحاء البلاد!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WhatsApp chat