فوز أردوغان يعزز العلاقات المشتركة بين ماليزيا وتركيا

كوالالمبور – “أسواق”
بعد ساعات قليلة من إعلان اللجنة العليا للانتخابات في تركيا فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة عقب حصوله على 52.14 بالمائة من الأصوات، تقدم رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم بالتهنئة للرئيس التركي على فوزه.
هذه التهنئة لا تقتصر فقط على الرسميات المتبعة بين الدول والرؤساء بل تتجاوز ذلك إلى علاقة شخصية خاصة تربط بين رئيس الوزراء الماليزي والرئيس التركي الذي كان من أوائل من اتصلوا بأنور لتهنئته بعد تعيينه رئيساً للوزراء في ماليزيا في نوفمبر من العام الماضي.
ويقدم فوز أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالانتخابات الرئاسية دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين خصوصاً أن سياسة حكومات أردوغان تجاه ماليزيا كانت دائماً سياسية منفتحة على التعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات، إضافة لاشتراك البلدين في العديد من التوجهات من خلال العمل المشترك في منظمة التعاون الإسلامي.
العلاقة بين البلدين ليست وليدة اليوم بل ورائها خلفيات تاريخية واقتصادية وثقافية عديدة لا يعلمها الكثيرون.
علاقة تسبق الدول
العلاقة بين ماليزيا بشكلها الحالي وتركيا كما نعرفها اليوم تعود إلى فترات تاريخية تسبق تشكل الدولتين واستقلالها عقب الحرب العالمية الثانية.
وبحسب مؤسسة دراسات الشرق الأوسط فإن العلاقة بين ماليزيا وتركيا تعود إلى القرن السادس عشر، وفي القرن التاسع عشر كانت العلاقة بين السلطنات الملايوية في والدولة العثمانية متماسكة ومتميزة بعلاقات خاصة بين السلطان أبو بكر سلطان جوهور والذي توجه في عدة زيارات إلى إسطنبول عاصمة السلطنة العثمانية.
وخلال زيارته إلى تركيا في العام 1890 بصحبة شقيقه عبد المجيد تزوج السلطان أبو بكر وشقيقه من امرأتين من تركيا، وساهمت هذه الزيجات في تعزيز العلاقة بين المنطقتين خصوصاً أنها توجت بولادة عدة شخصيات ماليزية تاريخية من أصول ماليزية تركية مشتركة مثل الفيلسوف الإسلامي الشهير سيد محمد نقيب العطاس ورئيس الوزراء الثالث لماليزيا تون حسين أون.
هذه الجذور التاريخية للعلاقة سهلت تشكيل العلاقة الحديثة للبلدين بعد نشوء الجمهورية التركية واستقلال ملايا عن الاحتلال البريطاني وتشكيل ماليزيا في العام 1963، حيث تم تأسيس العلاقة الدبلوماسية بين البلدين في العام 1964، وتمتلك تركيا سفارة لها في كوالالمبور فيما تمتلك ماليزيا سفارة في أنقرة وقنصلية في إسطنبول.
التعاون الاقتصادي المشترك
تشترك ماليزيا وتركيا في عضوية منظمة التعاون الإسلامي وشاركت في العديد من المناسبات في صياغة السياسات والبيانات المشتركة للمنظمة التي تعنى بشؤون الدول الإسلامية حول العالم.
وفي العام 2014 زار رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق تركيا والتقى بالرئيس رجب طيب أردوغان في زيارة تاريخية أعلن الرئيسان خلالها عن رفع مستوى العلاقات المشتركة بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والتي ساهمت في إنجاز العديد من الاتفاقيات وسبل التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية.
كما وقع البلدان اتفاقية للتجارة الحرة في أبريل من العام 2014 ودخلت حيز التنفيذ في أغسطس من العام 2015 وكانت الأولى من نوعها لتركيا مع دول أسيان، حيث تهدف هذه الاتفاقية لإزالة الحواجز في وجه التجارة الحرة وتدفق الاستثمارات بين البلدين.
وفي سبتمبر من العام الماضي 2022 وقعت الحكومة الماليزية والتركية بروتوكولاً لتوسيع اتفاق التجارة الحرة ليشمل التجارة الإلكترونية والخدمات والاستثمارات، إضافة لتوقيع الاتفاق المشترك لتأسيس المجلس الاقتصادي التجاري بين البلدين، وذلك بعد لقاء في يوليو جمع رئيس الوزراء السابق إسماعيل صبري يعقوب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وبحسب بيانات وزارة التجارة التركية فإن حجم التجارة بين البلدين حقق نمواً يقارب 50 بالمائة في العام 2021 ليصل إلى 3.5 مليار دولار أمريكي وتضم الصادرات التركية إلى ماليزيا الصناعات الدفاعية والسيارات وقطع السيارات والزيوت المعدنية ومشتقاتها والحديد والآليات والفواكه والخضار.
فيما تضم الصادرات الماليزية إلى تركيا زيت النخيل ومشتقاته، والحرير الصناعي والملابس والمطاط والدارات الإلكترونية والأقمشة.
التنسيق الأمني
يمتلك البلدان علاقة متينة في مجال الصناعات العسكرية والدفاعية والتنسيق الأمني المشترك، حيث وقعت شركة الصناعات الدفاعية التركية عدة اتفاقيات شراكة مع ماليزيا بقيمة تصل إلى 600 مليون دولار أمريكي لإنتاج المركبات العسكرية المدرعة.
وفي عام 2017 قامت ماليزيا بترحيل 3 مواطنين أتراك مشتبه بتورطهم في محاولة الانقلاب التي جرت في تركيا لارتباطهم بمجموعة فتح الله غولن وهي منظمة تصنفها الحكومة التركية كمنظمة إرهابية.
وفي ذلك الوقت اتهم مركز ستوكهولم للحريات الحكومة الماليزية بترحيل معارضين لأردوغان بشكل غير قانوني بعد هربهم من الحملة التي قام بها الرئيس التركي ضد معارضيه عقب محاولة الانقلاب ضده، وهو ما نفاه نائب رئيس الوزراء حينئذ أحمد زاهد حميدي الذي قال إن الترحيل لم يكن بطلب من الحكومة التركية بل بناء على معلومات تفيد بارتباطهم بمنظمة غير قانونية في بلادهم، بحسب تعبيره.
وفي السنوات الماضية استمرت تركيا بمشاركتها الدائمة في معرض لانكاوي للملاحة والفضاء والذي يعتبر من أبرز المعارض الدفاعية التي تنظمها ماليزيا كل عام بمشاركة عشرات الدول من مختلف أنحاء العالم.
وإبان الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا قبل أشهر، عملت ماليزيا مع تركيا على تنسيق دخول فرق الإغاثة والإنقاذ الماليزية إلى داخل تركيا والتي شاركت في عمليات انتشال العالقين واستخراج جثث ضحايا الزلزال وتقديم الخدمات الإغاثية للمتضررين.
كما زار رئيس الوزراء أنور إبراهيم المناطق المتضررة واطلع على الأوضاع فيها والتقى بفرق الإغاثة الماليزية تعبيراً عن تضامن ماليزيا الحكومي والشعبي مع تركيا خلال الزلزال الذي أودى بحياة الآلاف وخلف دماراً هائلاً في العديد من مناطق تركيا وسوريا.
المصدر: وكالات