ماليزيا والهند.. هل تقود تفاعلات السياسة إلى حرب تجارية؟

كوالالمبور – “أسواق”
كانت البداية، خطاب رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد على منصة الأمم المتحدة قبل نحو ثلاثة أسابيع، انتقد فيها قرار نيودلهي إلغاء الحكم الذاتي في كشمير، وقال إنّ الهند قد “احتلت” كشمير وجامو، وطلب من نيودلهي العمل مع باكستان لحل القضية.
غضب هندي
احتجت الهند رسميًّا على تصريحات مهاتير، لكنها لم تتحدث عن مقاطعة تجارية أو عقوبات اقتصادية حتى الآن، لكن التصريحات أثارت الغضب في دوائر أخرى، كان من بينها الهيئة التجارية الأولى لاستيراد الزيوت النباتية في الهند التي دعت التجار إلى وقف استيراد زيت النخيل من ماليزيا، كخطوة احتجاجية على تصريحات رئيس الحكومة الماليزية.
وفي غضون ذلك، لا يعلم على وجه التحديد إلى أين تتجه الأمور سياسيًّا أو تجاريًّا بين البلدين حتى الآن، ويلف الأزمة غموض مشوب بالحذر، سيّما مع عودة مهاتير أول أمس 22 أكتوبر للتأكيد على أنه لن يتراجع عن انتقاده لقرار نيودلهي إلغاء الحكم الذاتي لكشمير.
حرب تجارية ولا تراجع
ولدى سؤاله عن إمكانية تراجعه عن هذه التصريحات، قال للصحفيين خارج قاعة البرلمان: “نتحدث من أذهاننا ولا نتراجع أو نتغير، ما نقوله هو أننا يجب أن نلتزم جميعًا بقرارات الأمم المتحدة، وإلا فما فائدة الأمم المتحدة؟”.
وتتزايد المخاوف من أن تؤدي تفاعلات السياسة بفعل هذه الأزمة بين البلدين إلى حدوث ما وصفه مهاتير نفسه بأنه “حرب تجارية” بين ثاني أكبر منتج ومصدر لزيت النخيل في العالم وأكبر مشتر لها حتى الآن هذا العام.
لكنه أكد أن دولته ستدرس تأثير المقاطعة المحتملة التي دعت إليها رابطة مستخلصي الزيوت في الهند ومقرها مومباي وستنظر في سبل معالجة هذه القضية، وقال: “ليس لدينا أي نية لإثارة القضية في منظمة التجارة العالمية حيث إن الدعوة للمقاطعة لم ترد من الحكومة الهندية”.
دعوات عدم المقاطعة
وفي تطور لافت في هذه الأزمة، حثت هيئة سياسية في جنوب الهند حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي على عدم خفض واردات زيت النخيل من ماليزيا.
وقالت لجنة مؤتمر تاميل نادو (TNCC) في بيان صحفي الثلاثاء: إن أي انخفاض في واردات زيت النخيل من قبل الهند سيضر بشدة بالعمال المهاجرين من ولاية تاميل نادو جنوب الهند والذين يعملون حاليًا في ماليزيا.
وأضافت أن “نصف مليون شخص على الأقل من تاميل نادو يعملون في قطاع تكنولوجيا المعلومات والمطاعم في ماليزيا، إنهم يرسلون أيضًا ما يقرب من 90 % من أجورهم إلى أسرهم التي تعيش في الهند”.
ويشكل الهنود الماليزيون ثالث أكبر مجتمع في ماليزيا وغالبيتهم من التاميل الذين جاء أسلافهم من تاميل نادو، أوضحت هيئة (TNCC) أن تخفيض واردات زيت النخيل من ماليزيا سيكون له تأثير على الجالية الهندية هناك حيث يعمل الكثير منهم في مناطق زيت النخيل والمطاط.
مخاوف في الأفق
آثار الدعوات لمقاطعة زيت النخيل الماليزي بدأت بتراجع العقود الآجلة لزيت النخيل الماليزي حسب ما نُشر يوم الثلاثاء 23 أكتوبر، بسبب المخاوف من تراجع الطلب من الهند.
وكانت الهند ثالث أكبر دولة مستوردة لزيت النخيل والمنتجات القائمة على النخيل من ماليزيا في عام 2018 بقيمة 6.84 مليار رنجت ماليزي (1.63 مليار دولار).
كما بلغت قيمة صادرات ماليزيا إلى الهند 10.8 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 31 مارس الأخير، بينما بلغ إجمالي الواردات 6.4 مليار دولار، وفقًا لبيانات الحكومة الهندية.
وفي ظل هذه المخاوف، حثت وزارة الصناعات الأولية بماليزيا، رابطة مستخرجات الزيوت في الهند على عدم ردع أعضائها عن استيراد زيت النخيل الماليزي.
وقالت وزيرة الصناعات الأولية الماليزية تيريزا كوك: “بينما تحاول ماليزيا فهم المشاعر الكامنة المرتبطة بدعوة الرابطة، فإن دعوتها لأعضائها لعدم شراء زيت النخيل الماليزي تشكل نكسة كبيرة في تعاوننا المتواصل وعلاقات العمل بين ماليزيا والهند”.
وفي محاولة لرأب الصدع، وتخفيف التوترات التجارية قالت ماليزيا مؤخرا إنها تفكر في زيادة واردات السكر الخام ولحم الجاموس من الهند.
انتقاد إسلامي هندي لمهاتير
وفي خضم هذه الأزمة، انتقد ظفر الإسلام خان، الذي يرأس لجنة الأقليات في نيودلهي -المدعومة من الحكومة الفيدرالية لتمثيل ديانات الأقليات- تصريحات مهاتير التي اتهم فيها الهند “بغزو كشمير” وخرق قرارات الأمم المتحدة.
وقال: “من وجهة نظر المجتمع الهندي المسلم، تعد كشمير والكشميريون جزءًا مهمًا وقيمًا للغاية من مجتمعنا وبلدنا، ونتمنى أن نراها جزءًا من اتحاد الهند” حسب تعبيره.
ورغم ذلك، قال خان -وهو نجل أحد علماء المسلمين المعاصرين الأكثر شهرة في الهند وحيد الدين خان- إنه لا يوافق على سياسات الحكومة الحالية، لا سيما التحرك لإلغاء البند 370 من الدستور الهندي الذي يضمن الحكم الذاتي في بعض المناطق لجامو وكشمير.
وعدّ أن تصرف حكومة مودي في أغسطس كان انتهاكًا للدستور الهندي الذي ينص على أن بند الحكم الذاتي لا يمكن إلغاؤه إلا عن طريق المجلس التشريعي لجامو وكشمير.
خلفية تاريخية
منذ تقسيم الهند عام 1947، خاضت الهند وباكستان العديد من المناوشات المسلحة حول كشمير، وهي منطقة جبلية في الشمال تقطنها غالبية مسلمة.
وفي عام 1948 وفي الخمسينيات تبنى مجلس الأمن الدولي عدة قرارات بشأن النزاع بين الهند وباكستان بشأن كشمير، بما في ذلك القرار الذي ينص على ضرورة إجراء استفتاء عام لتحديد مستقبل المنطقة.
وتسيطر كل من باكستان والهند على أجزاء من كشمير، لكن كل منهما تدعي أن المنطقة بأسرها لها.
وفي 5 أغسطس الماضي، أعلنت الحكومة الهندية، إلغاء وضع الحكم الذاتي الدستوري لكشمير، بمرسوم رئاسي، في قرار من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد كبير في هذه المنطقة التي تشهد تمرداً انفصالياً، وتطالب باكستان بالسيادة عليها.
ومطلع سبتمبر قال رئيس وزراء باكستان عمران خان إن بلاده سترد بأقصى ما يمكنها على تصرفات الهند في كشمير المتنازع عليها، وحمل المجتمع الدولي مسؤولية أي “كارثة” بعد ذلك.