ترسم السلام لتحكي قصة الحرب… الرسامة اليمنية عفراء أحمد تعرض الثقافة اليمنية في كوالالمبور

كوالالمبور – وائل قرصيفي
من زاوية صغيرة جعلت منها مرسماً في العاصمة الماليزية كوالالمبور، تطلق الرسامة اليمنية عفراء أحمد العنان لريشتها لتعكس الفن المعماري والثقافية اليمنية من خلال لوحاتها التي شاركت بها ضمن معرض فني كبير في كوالالمبور، حيث تجسد لوحاتها تفاصيل تجريدية فريدة من المدينة القديمة في صنعاء والتي يعود تاريخها إلى ما قبل القرن الحادي عشر.
حدثتنا الفنانة الشابة عن ولادتها في جنوب اليمن ونشأتها في الشمال، عن المفارقة التي لا زال الكثير من اليمنيين يعيشونها حتى اليوم، وعن الفوارق الثقافية وعوامل الوحدة والتشابه التي تجمع أبناء اليمن على اختلاف أصولهم.
تقول “ولدت في مدينة عدن جنوب اليمن وعشت فيها حتى بلغت ستة أعوام، قبل الانتقال مع عائلتي إلى العاصمة صنعاء، حيث عشت اختلافاً ثقافياً وبيئياً واضحاً بكل تأكيد”.
بداية عفراء الفنية كانت منذ مراحل الدراسة حين استشعرت انجذابها الخاص لفن الرسم والتعبير عن الأفكار عبر الخطوط والألوان، موهبة فطرية وجدت بداية طريقها مع انتهائها من الدراسة الثانوية في اليمن، لتبدأ بالتدرب على يد أحد الفنانين اليمنيين البارزين، والذي تقول عفراء إنه علّمها كيف تعرف ما الذي يلهمها أكثر من أن يعلمها تقنيات الرسم، تلك التقنيات التي ابتكرت عفراء طريقة خاصة لها في عملها “Disgraced” لتعبر عن واقع الحال في اليمن اليوم.
مجموعة “Disgraced” والتي تتكون من ثلاث لوحات فنية كانت جزءاً من المعرض الفني الكبير الذي جرى في معرض “Artisque” بالعاصمة كوالالمبور تحت اسم “Art Salon 2018”، والذي شاركت فيه عفراء مع العديد من الفنانين المحليين في ماليزيا، وكانت هي المُشارِكة الوحيدة من خارج ماليزيا، مُشارِكة قدمت رسالتها الخاصة عن بلدها.
لهذا العمل اختارت عفراء أن تعتمد على أسلوب وصفته بالـ “حد الأدنى” من التفاصيل وتركيز جميع تفاصيل لوحاتها في النوافذ، حيث تظهر اللوحات الثلاث التي رسمتها عفراء أبنية تراثية يمنية كتلك التي تشتهر بها مدينة صنعاء القديمة، مكتسية باللون الأبيض فيما تظهر السماء الزرقاء بصفاء متباين خلف تلك الأبنية، حيث تقدم اللوحات رسالتها الخاصة عبر الانطباع الهادئ الحزين الذي تعرضه.

“أردت من الناس أن ينظروا إلى النوافذ عند مشاهدة لوحاتي، ولذلك ركزت كل التفاصيل في تلك النوافذ وأخفيتها في بقية جوانب اللوحات”، ولاستعمال الألوان دوره الخاص في عمل عفراء حيث لكل لون رسالته التي يهدف لإيصالها لمن يشاهد اللوحة، “هدفت لإيصال فكرة السلام من خلال استعمال اللون الأبيض واعتمدت على بعض الألوان الأساسية في الزوايا لإظهار رموز الحرب كالنار وتأثيرها على هذا الجمال اليمني الهادئ، ولعب اللون الأزرق في اللوحات دوره الخاص بالتعبير عن الحزن الذي يكتسي تلك الأبنية”.
باختصار شديد فإن عفراء حاولت عرض آثار الحرب في اليمن بعيداً عن ألوان الدم والحرب، كل ذلك بهدف إثارة المشاهد للعمل للحديث عن الحرب ومناقشتها.
“أعتقد أن الناس هنا يخافون الحديث عن الحرب” تقول عفراء عند الحديث عن ردود الفعل المختلفة التي واجهتها من متابعي المعرض الفني، حيث يطرح الكثير من المشاهدين الأسئلة عن العمل واليمن وحتى عن الحرب، لكن تؤكد عفراء أن معظمهم كانوا حذرين عندما حدثتهم عن اليمن والحرب الطويلة التي تعيشها البلاد، فمعظمهم يفضل الحديث عن الصورة العامة دون الخوض في أي تفاصيل.
لكن يبقى الهدف الأساسي من مشروع “Disgraced” الفني هو إبقاء اليمن حية في الفن خصوصاً مع قلة الإنتاج الفني الذي يتحدث عن اليمن في ماليزيا.
“دائماً ما تساءلت لم لا يقوم أحد هنا في ماليزيا بالحديث عن الحرب في اليمن من خلال الفن؟ ربما قام أحد بذلك فأنا غير مطلعة بشكل كامل على الصورة، لكنني قررت أخذ المبادرة والقيام بدوري في ذلك، ربما يكون لي دور صغير في الحديث عن بلدي والحرب التي تعاني منها”، بذلك تلخص عفراء الدافع الأساسي وراء عملها الفني الحالي.
بالطبع فإن تكريس النفس للشغف الشخصي ليس بالأمر السهل خصوصاً في مدينة كبرى تعيش نمط الحياة السريعة مثل كوالالمبور، تروي لنا عفراء كيف واجهت العديد من المصاعب للحفاظ على شغفها بالرسم حياً خصوصاً مع بداية قدومها إلى ماليزيا لدراسة التصميم الغرافيكي وانخراطها في حياة الدراسة والعمل فيما بعد.
“دراسة التصميم الغرافيكي كانت أقرب ما يمكن للشغف الأساسي الذي أملكه وهو الرسم، رغم ذلك فقد أبعدتني الحياة لفترة طويلة عن الرسم خلال فترة الدراسة وبداية فترة العمل، لكن عودتي لزيارة المعارض الفنية والاختلاط بالفنانين المحليين جدد لدي روح الإلهام للعودة إلى شغفي الأول من جديد”.
تتحدث عفراء عن المستقبل الفني في ماليزيا، ورغبتها المستمرة بتقديم المزيد عن الثقافة والفن اليمني للعالم من خلال لوحاتها الفنية، وتؤكد إن الدافع الرئيسي لعملها الفني الحالي هو عكس الثقافة اليمنية الفريدة ونقل معاناة بلدها إلى الآخرين من خلال الصورة الفنية… وبطريقة خاصة جداً… عبر الريشة والألوان.